فصل: سئل:عن رجل له حق فى بيت المال إما لمنفعة فى الجهاد أولولايته فأحيل ببعض حقه على بعض المظالم؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **


/ وقال ـ رحمه اللّه ‏:‏

إذا كان بيت المال مستقيما أمره، بحيث لا يوضع ماله إلا فى حقه، ولا يمنع من مستحقه‏.‏ فمن صرف بعض أعيانه أو منافعه فى جهة من الجهات التى هى مصارف بيت المال؛ كعمارة طريق ونحو ذلك بغير إذن الإمام فقد تعدى بذلك؛ إذ ولايته إلى الإمام، ثم الإمام يفعل الأصلح، فإن كان نقض ذلك أصلح للمسلمين نقض التصرف، وإن كان الأصلح إقراره أقره‏.‏ وكذلك إن تصرف فى ملك الوقف واليتيم بغير إذن النظار تصرفا من جنس التصرف المشروع، كأن يعمر بأعيان ماله حانوتاً أو داراً فى عرصة الوقف أو اليتيم‏.‏

وأما إذا كان أمر بيت المال مضطربا، فقال الفقهاء‏:‏ من صرف بعض أعيانه أو منافعه فى جهة بعض المصالح من غير أن يكون متهماً فى ذلك التصرف، بل كان التصرف واقعا على جهة المصلحة، فإنه لا ينبغى للإمام نقض التصرف، ولا تضمين المتصرف، مع أنه لا تجوز معصية الإمام بَرا كان أو فاجراً، إلا أن يأمره بمعصية اللّه‏.‏ وحكمه أو قسمه إذا وافق الحق فنافذ‏.‏ برا كان أو فاجرا‏.‏وأما إذا تصرف /الرجل تصرفا يتهم فيه،مثل أن يقبض المال لنفسه متأولا‏:‏ أن لى حقًا فى بيت المال، وإنى لا أعطى حقى‏.‏ فهذا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

 وَسئل ـ رحمه اللّه ـ عن أقوام لهم أملاك إرث من آبائهم وأجدادهم، وهى للسلطان مقاسمة الثلث، ثلث المغل‏.‏ وأن شخصاً ضامناً اشترى ما يخص السلطان من الثلث، وأخذ الملك الذى لهم جميعه باليد القوية‏.‏ فهل له ذلك أم لا ‏؟‏

فأجاب‏:‏

ليس له أن ينزع أملاك الناس التى بأيديهم بما ذكر‏.‏ ولا يجوز رفع أيدى المسلمين الثابتة على حقوقهم بما ذكر؛ إذ الأرض الخراجية كالسواد وغيره نقلت من المخارجة إلى المقاسمة، كما فعل أبو جعفر المنصور بسواد العراق، وأقرت بيد أهلها‏.‏ وهى تنتقل عن أهلها إلى ذريتهم وغير ذريتهم بالإرث والوصية والهبة، وكذلك البيع فى أصح قولى العلماء؛ إذ حكمها بيد المشترى كحكمها بيد البائع، وليس هذا تبعاً للوقف الذى لا يباع ولا يوهب ولا يورث، كما غلط فى ذلك من منع بيع أرض السواد، معتقداً أنها كالوقف الذى لا يجوز /بيعه، مع أنه يجوز أن يورث ويوهب؛ إذ لا خلاف فى هذا، بل ينبغى أن يبيع ما لبيت المال من هذه الأرضين، وما لبيت المال من المقاسمة الذى هو بمنزلة الخراج‏.‏ وقيل‏:‏ لا تباع لما فيه من إضاعة حقوق المسلمين‏.‏

 وَسُئِلَ‏:‏ إذا دخل التتار الشام، ونهبوا أموال النصارى والمسلمين، ثم نهب المسلمون التتار وسلبوا القتلى منهم‏.‏ فهل المأخوذ من أموالهم وسلبهم حلال أم لا ‏؟‏

فأجاب‏:‏

كل ما أخذ من التتار يخمس، ويباح الانتفاع به‏.‏

 وسئل ـ رحمه اللّه ـ عن رجل فقير ملازم الصلوات الخمس غريب‏.‏ فهل إذا حصل له من السلطان راتب يتقوت به ويستغنى عن السؤال يكون مأثوماً ‏؟‏ وهل يحصل له المسامحة‏؟‏

فأجاب‏:‏

نعم‏.‏إذا أعطى ولى الأمر لمثل هذا ما يكفيه من أموال /بيت المال كان ذلك جائزاً‏.‏ ومال الديوان الإسلامى ليس كله ولا أكثره حراما‏.‏ حتى يقال فيه ذلك، بل فيه من أموال الصدقات والفىء وأموال المصالح ما لا يحصيه إلا اللّه، وفيه ما هو حرام أو شبهة، فإن علم أن الذى أعطاه من الحرام لم يكن له أخذ ذلك، وإن جهل الحال لم يحرم عليه ذلك‏.‏ واللّه أعلم‏.‏

 وسئل ـ رحمه اللّه ـ عن رجل أعطاه ولى الأمر إقطاعا، وفيه شىء من المكوس‏.‏ فهل يجوز له الأكل منها، أو يقطعها لأجناده، أو يصرفها فى علف خيوله، وجامكية الغلمان‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد للّه، أما المال المأخوذ من الجهات، فلا يخلو عن شبهة، وليس كله حراماً محضاً، بل فيه ما هو حرام، وفيه ما يؤخذ بحق، وبعضه أخف من بعض‏.‏

فما على الساحل وإقطاعه أخف مما على بيع العقار، ونحو ذلك من السلع، ومما على سوق الغزل ونحوه‏.‏ فإن هذا لا شبهة فيه، فإنه ظلم بين‏.‏ وكذلك ضمان الأفراج، فإنه قد يؤخذ إما من الفواحش المحرمة، وإما من المناكح المباحة، فهذا ظلم، وذلك إعانة على الفواحش التى /تسمى ‏[‏مغانى العرب‏]‏ ونحو ذلك‏.‏ فإن هذا فيه ضمان الحانة فى بعض الوجوه‏.‏ فهذا أقبح ما يكون، بخلاف ساحل القبلة، فإنه قد يظلم فيه كثير من الناس‏.‏

لكن أهل الإقطاعات الكثيرة الذين أقطعوا أكثر مما يستحقونه، إذا أمر السلطان أن يؤخذ منها بعض الزيادة، لم يكن هذا ظلماً وإقطاعه أصلها زكاة، لكن زيد فيها ظلم‏.‏

وإذا كان كذلك فمن كان فى إقطاعه شىء من ذلك، فليجعل الحلال الطيب لأكله وشربه، ثم الذى للناس، ثم الذى يليه يجعل لعلف الجمال، ويكون علف الخيل أطيب منها فإنها أشرف، ويعطى الذى يليه للدبادب والبوقات والبازيات ونحوهم‏.‏ فإن اللّه يقول‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ ‏[‏التغابن‏:‏ 16‏]‏ فعلى كل إنسان أن يتقى اللّه ما استطاع، وما لم يمكن إزالته من الشر يخفف بحسب الإمكان، فإن اللّه بعث الرسل بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها‏.‏

/ وَسُئِلَ شيخ الإسلام ـ رحمه اللّه ـ عن الأموال التى يجهل مستحقها مطلقاً أو مبهما‏.‏

فإن هذه عامة النفع؛ لأن الناس قد يحصل فى أيديهم أموال يعلمون أنها محرمة، لحق الغير؛ إما لكونها قبضت ظلماً، كالغصب وأنواعه من الجنايات والسرقة والغلول‏.‏ وإما لكونها قبضت بعقد فاسد من ربا أو ميسر، ولا يعلم عين المستحق لها‏.‏ وقد يعلم أن المستحق أحد رجلين ولا يعلم عينه؛ كالميراث الذى يعلم أنه لإحدى الزوجين الباقية دون المطلقة، والعين التى يتداعاها اثنان، فيقربها ذو اليد لأحدهما‏.‏

فمذهب الإمام أحمد وأبى حنيفة ومالك وعامة السلف إعطاء هذه الأموال لأولى الناس بها‏.‏ ومذهب الشافعى أنها تحفظ مطلقا، ولا تنفق بحال، فيقول فيما جهل مالكه من الغصوب والعوارى والودائع‏:‏ إنها تحفظ حتى يظهر أصحابها، كسائر الأموال الضائعة‏.‏ ويقول فى العين التى عرفت لأحد رجلين‏:‏ يوقف الأمر حتى يصطلحا‏.‏ ومذهب أحمد وأبى حنيفة فيما جهل مالكه،أنه يصرف عن أصحابه فى المصالح؛ /كالصدقة على الفقراء، وفيما استبهم مالكه القرعة عند أحمد، والقسمة عند أبى حنيفة‏.‏ ويتفرع على هذه القاعدة ألف من المسائل النافعة، الواقعة‏.‏

وبهذا يحصل الجواب عما فرضه أبو المعالى فى كتابه ‏[‏الغياثى‏]‏، وتبعه من تبعه‏:‏ إذا طبق الحرام الأرض، ولم يبق سبيل إلى الحلال، فإنه يباح للناس قدر الحاجة من المطاعم والملابس والمساكن، والحاجة أوسع من الضرورة‏.‏ وذكر أن ذلك يتصور إذا استولت الظلمة من الملوك على الأموال بغير حق، وبثتها فى الناس، وأن زمانه قريب من هذا التقدير، فكيف بما بعده من الأزمان‏؟‏‏!‏‏.‏

وهذا الذى قاله فرض محال، لا يتصور؛ لما ذكرته من هذه ‏[‏القاعدة الشرعية‏]‏‏.‏ فإن المحرمات قسمان‏:‏ محرم لعينه، كالنجاسات‏.‏ من الدم، والميتة‏.‏ ومحرم لحق الغير، وهو ما جنسه مباح‏.‏ من المطاعم، والمساكن، والملابس، والمراكب، والنقود، وغير ذلك‏.‏

وتحريم هذه جميعها يعود إلى الظلم، فإنها إنما تحرم لسببين‏:‏

أحدهما‏:‏ قبضها بغير طيب نفس صاحبها، ولا إذن الشارع‏.‏ وهذا هو الظلم المحض؛ كالسرقة، والخيانة، والغصب الظاهر‏.‏ وهذا أشهر الأنواع بالتحريم‏.‏

/والثانى‏:‏ قبضها بغير إذن الشارع، وإن أذن صاحبها، وهى العقود والقبوض المحرمة، كالربا والميسر، ونحو ذلك‏.‏ والواجب على من حصلت بيده ردها إلى مستحقها، فإذا تعذر ذلك فالمجهول كالمعدوم، وقد دل على ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم فى اللقطة‏:‏ ‏(‏فإن وجدت صاحبها فارددها إليه، وإلا فهى مال اللّه يؤتيه من يشاء‏)‏‏.‏ فبين النبى صلى الله عليه وسلم أن اللقطة التى عرف أنها ملك لمعصوم، وقد خرجت عنه بلا رضاه، إذا لم يوجد فقد آتاها اللّه لمن سلطه عليها بالالتقاط الشرعى‏.‏

وكذلك اتفق المسلمون على أنه من مات ولا وارث له معلوم فماله يصرف فى مصالح المسلمين، مع أنه لابد فى غالب الخلق أن يكون له عصبة بعيد، لكن جهلت عينه، ولم ترج معرفته، فجعل كالمعدوم‏.‏ وهذا ظاهر، وله دليلان قياسيان قطعيان، كما ذكرنا من السنة والإجماع‏.‏ فإن ما لا يعلم بحال، أو لا يقدر عليه بحال، هو فى حقنا بمنزلة المعدوم، فلا نكلف إلا بما نعلمه ونقدر عليه‏.‏

وكما أنه لا فرق فى حقنا بين فعل لم نؤمر به، وبين فعل أمرنا به جملة عند فوت العلم أو القدرة ـ كما فى حق المجنون والعاجز ـ كذلك لا فرق فى حقنا بين مال لا مالك له، أمرنا بإيصاله إليه، وبين ما أمرنا بإيصاله إلى مالكه جملة؛ إذا فات العلم به أو القدرة /عليه‏.‏ والأموال كالأعمال سواء‏.‏

وهذا النوع إنما حرم لتعلق حق الغير به، فإذا كان الغير معدوماً أو مجهولا بالكلية أو معجوزاً عنه بالكلية، سقط حق تعلقه به مطلقا، كما يسقط تعلق حقه به إذا رجى العلم به، أو القدرة عليه، إلى حين العلم والقدرة، كما فى اللقطة سواء، كما نبه عليه صلى الله عليه وسلم بقوله‏:‏ ‏(‏فإن جاء صاحبها وإلا فهى مال اللّه يؤتيه من يشاء‏)‏، فإنه لو عدم المالك انتقل الملك عنه بالاتفاق، فكذلك إذا عدم العلم به إعداما مستقراً، وإذا عجز عن الإيصال إليه إعجازاً مستقراً‏.‏ فالإعدام ظاهر، والإعجاز مثل الأموال التى قبضها الملوك ـ كالمكوس وغيرها ـ من أصحابها، وقد تيقن أنه لا يمكننا إعادتها إلى أصحابها، فإنفاقها فى مصالح أصحابها من الجهاد عنهم أولى من إبقائها بأيدى الظلمة يأكلونها، وإذا أنفقت كانت لمن يأخذها بالحق مباحة، كما أنها على من يأكلها بالباطل محرمة‏.‏

والدليل الثانى‏:‏ القياس ـ مع ما ذكرناه من السنة والإجماع ـ أن هذه الأموال لا تخلو إما أن تحبس، وإما أن تتلف، وإما أن تنفق‏.‏

فأما إتلافها فإفساد لها، ‏{‏وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 205‏]‏ وهو إضاعة لها،/والنبى صلى الله عليه وسلم قد نهى عن إضاعة المال، وإن كان فى مذهب أحمد ومالك تجويز العقوبات المالية، تارة بالأخذ‏.‏ وتارة بالإتلاف، كما يقول أحمد فى متاع الغال، وكما يقوله أحمد ومن يقوله من المالكية فى أوعية الخمر، ومحل الخمار، وغير ذلك‏.‏

فإن العقوبة بإتلاف بعض الأموال أحياناً، كالعقوبة بإتلاف بعض النفوس أحياناً‏.‏ وهذا يجوز إذا كان فيه من التنكيل على الجريمة من المصلحة ما شرع له ذلك، كما فى إتلاف النفس والطرف، وكما أن قتل النفس يحرم إلا بنفس أو فساد، كما قال تعالى‏:‏‏{‏مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 32‏]‏، وقالت الملائكة‏:‏ ‏{‏أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 30‏]‏، فكذلك إتلاف المال، إنما يباح قصاصاً أو لإفساد مالكه، كما أبحنا من إتلاف البناء والغراس الذى لأهل الحرب مثل ما يفعلون بنا، بغير خلاف‏.‏ وجوزنا لإفساد مالكه ما جوزنا‏.‏

ولهذا لم أعلم أحداً من الناس قال‏:‏ إن الأموال المحترمة المجهولة المالك تتلف، وإنما يحكى ذلك عن بعض الغالطين من المتورعة‏:‏ أنه ألقى شيئاً من ماله فى البحر، أو أنه تركه فى البر ونحو ذلك‏.‏ فهؤلاء تجد منهم حسن القصد وصدق الورع، لا صواب العمل‏.‏

وأما حبسها دائماً أبداً إلى غير غاية منتظرة، بل مع العلم أنه /لا يرجى معرفة صاحبها، ولا القدرة على إيصالها إليه، فهذا مثل إتلافها؛ فإن الإتلاف إنما حرم لتعطيلها عن انتفاع الآدميين بها، وهذا تعطيل أيضا، بل هو أشد منه من وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه تعذيب للنفوس بإبقاء ما يحتاجون إليه من غير انتفاع به‏.‏

الثانى‏:‏ أن العادة جارية بأن مثل هذه الأمور لابد أن يستولى عليها أحد من الظلمة بعد هذا، إذا لم ينفقها أهل العدل والحق، فيكون حبسها إعانة للظلمة، وتسليما فى الحقيقة إلى الظلمة، فيكون قد منعها أهل الحق، وأعطاها أهل الباطل، ولا فرق بين القصد وعدمه فى هذا؛ فإن من وضع إنساناً بمسبعة فقد قتله، ومن ألقى اللحم بين السباع فقد أكله، ومن حبس الأموال العظيمة لمن يستولى عليها من الظلمة فقد أعطاهموها‏.‏ فإذا كان إتلافها حراماً، وحبسها أشد من إتلافها، تعين إنفاقها، وليس لها مصرف معين، فتصرف فى جميع جهات البر والقرب التى يتقرب بها إلى اللّه؛ لأن اللّه خلق الخلق لعبادته، وخلق لهم الأموال ليستعينوا بها على عبادته، فتصرف فى سبيل اللّه‏.‏ واللّه أعلم‏.‏

/ وَسُئِلَ شيخ الإسلام ـ رحمه اللّه ـ عن رجل له حق فى بيت المال، إما لمنفعة فى الجهاد أو لولايته، فأحيل ببعض حقه على بعض المظالم‏.‏

فأجاب‏:‏

لا تستخرج أنت هذا، ولا تعن على استخراجه، فإن ذلك ظلم، لكن اطلب حقك من المال المحصل عندهم، وإن كان مجموعا من هذه الجهة وغيرها؛ لأن ما اجتمع فى بيت المال ولم يرد إلى أصحابه، فصرفه فى مصالح أصحابه والمسلمين أولى من صرفه فيما لا ينفع أصحابه أو فيما يضره ـ وقد كتبت نظير هذه المسألة فى غير هذا الموضع ـ وأيضا، فإنه يصير مختلطا‏.‏ فلا يبقى محكوما بتحريمه بعينه، مع كون الصرف إلى مثل هذا واجباً على المسلمين‏.‏

فإن الولاة يظلمون تارة فى استخراج الأموال، وتارة فى صرفها، فلا تحل إعانتهم على الظلم فى الاستخراج، ولا أخذ الإنسان ما لا يستحقه‏.‏

وأما ما يسوغ فيه الاجتهاد من الاستخراج والصرف فلمسائل الاجتهاد‏.‏ وأما ما لا يسوغ فيه اجتهاد من الأخذ والإعطاء فلا يعاونون،/ لكن إذا كان المصروف إليه مستحقا بمقدار المأخوذ، جاز أخذه من كل مال يجوز صرفه، كالمال المجهود مالكه إذا وجب صرفه‏.‏ فإن امتنعوا من إعادته إلى مستحقه، فهل الأولى إقراره بأيدى الظلمة، أو السعى فى صرفه فى مصالح أصحابه والمسلمين، إذا كان الساعى فى ذلك ممن يكره أصل أخذه، ولم يعن على أخذه، بل سعى فى منع أخذه‏؟‏ فهذه مسألة حسنة ينبغى التفطن لها وإلا دخل الإنسان فى فعل المحرمات، أو فى ترك الواجبات‏.‏ فإن الإعانة على الظلم من فعل المحرمات‏.‏

وإذا لم تمكن الواجبات إلا بالصرف المذكور، كان تركه من ترك الواجبات‏.‏ وإذا لم يمكن إلا إقراره بيد الظالم أو صرفه فى المصالح، كان النهى عن صرفه فى المصالح إعانة على زيادة الظلم التى هى إقراره بيد الظالم‏.‏ فكما يجب إزالة الظلم، يجب تقليله عند العجز عن إزالته بالكلية‏.‏ فهذا أصل عظيم‏.‏ اللّه أعلم‏.‏ وأصل آخر وهو أن الشبهات ينبغى صرفها فى الأبعد عن المنفعة فالأبعد، كما أمر النبى صلى الله عليه وسلم فى كسب الحجام بأن يطعمه الرقيق والناضح، فالأقرب ما دخل فى الطعام والشراب ونحوه، ثم ما ولى الظاهر من اللباس، ثم ما ستر مع الانفصال من البناء، ثم ما عرض من الركوب ونحوه‏.‏ فهكذا ترتيب الانتفاع بالرزق، وكذلك أصحابنا يفعلون‏.‏

/ وسئل ـ رحمه اللّه ـ عن رجل أهدى إلى ملك عبداً، ثم إن المهدى إليه مات وولى مكانه ملك آخر، فهل يجوز له عتق ذلك‏؟‏

فأجاب‏:‏

الأرقاء الذين يشـترون بمال المسـلمين، كالخيل والسـلاح الذى يشـترى بمال المسـلمين، أو يهدى لملوك المسـلمين‏.‏ وذلك من أموال بيت المال، فإذا تصرف فيهم الملك الثانى بعتق أو إعطاء فهو بمنزلة تصرف الأول له‏.‏ وهل بالإعتاق والإعطاء ينفذ تصرف الثانى كما ينفذ تصرف الأول‏؟‏ نعم‏.‏ وهذا مذهب الأئمة كلهم‏.‏ واللّه أعلم‏.‏

 وَسُئِلَ عمن سبى من دار الحرب دون البلوغ، واشتراه النصارى، وكبر الصبى، وتزوج، وجاءه أولاد نصارى، ومات هو، وقامت البينة أنه أسر دون البلوغ، لكنهم ما علموا من سباه، هل السابى له كتابى أم مسلم‏.‏ فهل يلحق أولاده بالمسلمين أم لا ‏؟‏

/فأجاب‏:‏

أما إن كان السابى له مسلما حكم بإسلام الطفل، وإذا كان السابى له كافراً، أو لم تقم حجة بأحدهما، لم يحكم بإسلامه، وأولاده تبع له فى كلا الوجهين‏.‏ واللّه أعلم‏.‏